بمناسبة عيد الميلاد أقدم لكم ترجمتي لخطبة بقلم ألفريك (وهو كان رئيس دير في وقت الأنكلوساكسونيين). وكتب الخطبة في الإنكيليزية القديمة وأسلوب الكتابة واضح وبليغ. تروي الخطبة قصة <<عيد الأبرياء>> حيث يقال ان الملك هيرودس (وهو كان ملك منطقة يهودا لما تولد المسيح) قتل كل الأطفال من نفس عمر المسيح فكان يخاف من سقوط مملكته.
طبعا تناقش الخطبة عدة أمور تتعلق بالقصة وأبرزها:
. كيف تحقق ولادة المسيح النبوءات في العهد القديم
. ما هي حال الأطفال الذين قتلهم هيرودس? إنهم شهداء يستمتعون بالحياة الأبدية وإستشهدوا من أجل المسيح مع انهم لم يعرفوه بعد.
. كيف عاقب الله هيرودس.
اليوم تحتفل جماعة الله في جميع أنحاء العالم بعيد الأطفال المباركين الذين قتلهم الطاغوت هيرودس ظلماً بسبب ولادة المسيح, كما يحدثنا الإنجيل.
كتب متى في كتاب المسيح الأول هذه الكلمات حول ولادة المنقذ, فقال: ثم تولد المنقذ في بيت لحم بيهودا في أيام الملك هيرودس. وأتى ثلاثة منجمون من المنطقة الشرقية في الأرض ووصلوا إلى مدينة القدس وكانوا يسألون: أين ملك اليهود المولود? إننا رأينا نجمه في المنطقة الشرقية وأتينا لكي نصلي إليه. وإن الملك هيرودس هاج لما سمع ذلك, وكذلك كل المواطنين معه, فإستدعى كل الوجهاء وكتاب الناس, وسأل أين كان مسقط رأس المسيح. وقالوا: في بيت لحم بيهودا. فهكذا إنكتب في سفر النبيء ميخا: يا بيت لحم في أرض يهودا, إنك مجرد أضعف مدينة في كل يهودا, ومنك سيأتي القائد الذي سيهدي بني إسرائيل.
وإستدعى هيرودس المنجمين الثلاثة في جلسة خاصة, وإنه سألهم في اي وقت ظهر لهم النجم أولا ,وأرسلهم إلى بيت لحم, فقال: إذهبوا بسرعة وإسألوا عن الطفل ولما تجدونه أخبروني, لكي أصلي إليه. وذهب المنجمون بعد كلام الملك وإذن إنزلق أمامهم النجم الذي رأوه حتى وقف فوق الخان الذي كان فيه الطفل. هم رأوا النجم وكانوا سعداء جداً. ثم دخلوا ووجدوا الطفل مع أمه مريم فإقتربوا وسجدوا وصلوا إليه. وفتحوا صناديقهم وقدموا له هدايا من الذهب واللبان والمر. وثم نبههم الله في نومهم وطلب منهم أن لا يتكلموا مع هيرودس الشرس, ويتجنبوه بطريق ثاني ويرجعوا إلى بلادهم
ثم ظهر ملاك الله ليوسف (والد الطفل بالتبني) في النوم وقال: قم وخذ هذا الطفل مع الأم وإهرب إلى أرض مصر وإبق هناك حتى أكلمك, فإنّ هيرودس يكيد للطفل فيريد ان يقتله. فقام يوسف خلال الليلة وأخذ الطفل معاً مع الأم إلى أرض مصر وبقي هناك حتى مات هيورد, فتحققت النبوءة التي قالت هكذا عن الرحلة: من أرض مصر ناديت إبني.
ويقول المؤرخون انه تم توجيه إتهامات ضد هيرودس بين هذه الأحداث وكان ذلك عند القيصر الروماني الذي كان يملك كل العالم في ذلك الزمان. فذهب إلى روما بأمر من القيصر لكي يدافع عن نفسه إذا كان بإمكانه. ودافع عن نفسه بشكل ماكر وكان مقبولاً في ذلك, فأرسله القيصر مع إكرامات كثيرة إلى مملكة يهودا. ولما رجع إلى وطنه, ثم فكر فيما فكر فيه سابقاَ بالنسبة للطفل, وأدرك ان المنجمين نصبوا عليه, فأصبح غاضباً جداً. فأرسل قاتليه وقتل كل الأطفال الذكور الذين كانوا في مدينة بيت لحم وكل أكنافها وكان عمر هؤلاء الأطفال من سنتين إلى ليلة واحدة حسب الوقت الذي سأل فيه عن المنجمين. فتحققت نبوءة إرميا الذي تبنؤ هكذا: يسمع صوت في العالي, وبكاء كثير ونحيب. بكت راحيل على أولادها, وما أرادت المواساة لانهم غير موجودين.
وفي اليوم الثاني عشر بعد ولادة المسيح أتى المنجمون الثلاثة إلى هيورد وسألوه عن الطفل المولود. ولما سألوا عن مسقط رأسه, ثم توجهوا إلى الطفل وما أرادوا ان يخبروا القاتل الشرس كما أمر. ثم ما قدر ان يتجنب أمر القيصر وكان قتل الأطفال بسبب رحلته الطويلة مؤخراً أكثر مما أراد. وإنهم إستشهدوا في هذا اليوم نفسه ولم يكن ذلك في السنة التي تولد فيها المسيح, وانما كان بعد عودة الطاغوت بسنتين.
ما تولد من عائلة نبيلة وما إنتسب إلى العائلة الملكية, وإنما حصل على الشرف الملكي بالمكر والنصب. فهكذا كتب موسى عنه: ان العائلة الملكية في يهودا لن تنتهي حتى مجيء المسيح. ثم جاء المسيح في الوقت الذي إنتهت العائلة الملكية وملك هيرودس الأجنبي المملكة. وخاف من ان تسقط مملكته بمجيء الملك الحقيقي. فإستدعى المنجمين في جلسة خاصة وسألهم في اي وقت رأووا النجم أولاً, لانه كان يخاف, كما حدث فعلاً, من ان لا يخبروه. ثم أمر بقتل كل الأطفال الذكور في المنطقة من عمر سنتين إلى ليلة واحدة, فظن ان الذي طلبه لن ينجو اذا قتل كلهم. ولكنه لم يذكر الكتاب المقدس الذي يقول: لا يوجد حكمة ولا شورى ضد الله.
النصاب هيرودس قال للمنجمين: إذهبوا وإسألوا عن الطفل وأخبروني لكي أصلي إليه. ولكنه كشف عن كيده الغدار وكيف كان يكيد له اذا وجده. ثم قام بإبادة كل أصحابه من نفس العمر وكانت غايته إضطهاد شخص واحد. وكاد للمسيح عبثاً, فما جاء لانه أراد ان يسيطر على مملكته الدنيوية او اي مملكة أخرى وإنما جاء لانه أراد ان يعطي مملكته السماوية للمؤمنين. وما جاء لكي يرفع على عرش عزيز, وإنما لكي يكون مصلوباً بحقر على صليب. ولكنه أراد ان ينجو من الطاغوت الذي كان يكيد بالنار, وما كانت غايته الفرار من الموت فهو جاء إلى الأرض لكي يعاني, ولكن لو إنقتل في المهد لكان الأمر قصيرا ولخفى مجيؤه على الناس. فجعل ملاك الله كيد الخبيث في تضليل, وطلب من الأب بالتبني ان يأخذ بسرعة الأمير السماوي من الأرض.
ولم يترك المسيح مقاتليه الصغار, مع انه لم يكن موجوداً بشكل جسمي وقت مقتلهم, ولكنه أرسلهم من هذه الحياة المسكينة إلى مملكته الأبدية. إنهم تولدوا مباركين لكي يموتوا من أجله. إن عمرهم مبارك فلم يشهد بعد على المسيح, وعانى من أجل المسيح. فكانوا شهود المنقذ مع انهم لم يعرفوه بعد. ولم ينضجوا للقتل, وإنما ماتوا مباركين من أجل الحياة. كانت ولادتهم مباركة, فوجدوا الحياة الأبدية بدلاً عن الحياة الدنيوية. وتم إنتزاعهم من صدور أمهاتهم وتم تسليمهم لصدور الملائكة. ولم يقدر الظالم الخبيث ان يفيد الصغار باي خدمة أكثر من انه أفادهم بكراهية الإضطهاد الشرس. ويسمون بأزهار الشهداء, لانهم كانوا مثل أزهار تقوم في وسط صقيع الكفر فذبلت في صقيع إضطهاد.
وإن الأرحام التي حملتهم مباركة, وكذلك الصدور التي رضعوها. إن الأمهات عانين بسبب إستشهاد أولادهن, فذلك السيف الذي خرق أعضاء الأولاد حتى وصل إلى قلوب الأمهات. وطبعا هن شريكات في الفوز الأبدي, فكن شريكات في المعاناة. وهم كانوا صغار وإنقتلوا وما كان لهم عقل, وإنهم سيقومون يوم القيامة مع لباس كامل وحكمة سماوية. فكلنا نأتي إلى عمر واحد يوم القيامة, مع اننا نموت وعمرنا مختلف من شخص إلى آخر في هذه الدنيا.
يقول الإنجيل ان راحيل بكت على أولادها, وما أرادت المواساة لانهم غير موجودين. وكات راحيل زوجة البطريك يعقوب, وكانت رمز جماعة الله التي تبكي على أطفالها الأشباح ولا تريد المواساة على أساس ان الذين غلبوا مرة الدنيا بإنتصار الموت ونجوا من ويلاتها لكي يتتوجوا مع المسيح يرجعوا إلى القتال الدنيوي.
وإن هيرودس الخبيث لم يستمتع بمملكته في حال صحية جيدة لمدة طويلة, فنزل عقاب الله به بدون تأخير, ودمره بابؤس متعددة وأظهر له اي تعذيب عليه ان يعاني منه للأبد بعد الموت. فحل به مرض لا يقدر ان يوصف, فتحرق جسمه على الخارج بحر دائم, وفي الداخل تحرق وتكسر. كان يريد الأكل كثيراً, ولكنه لم يستطع ان يشبع طمعه بأي أكل. كان لديه حمى وكان له سعال فظيع وكان يتنفس بوجع كبير, فكان يتنفس بصعوبة. وهكذا غلبه الإستسقاء تحت الحزام, فإنثالت ديدان على أعضائه, وكان سم رائحته سيئة ينبعث بشكل دائم من قدميه المتنفخين. وغلبت حكة لا يقدر ان يتحمله كل جسمه, كانت أحشاؤه تعاني من تنفخ لا تصدق. وكانت رائحة سيئة تنبعث من فمه, فلم يكد اي طبيب يقترب منه. وإنه قتل الكثير من الأطباء, فقال انه كان بإمكانهم ان يشافوه ولكنهم لم يريدوا ان يفعلوا ذلك. وعانى من أرق فلم ينم خلال كل الليلة واذا أخذ قيلولة, فنزلت عليه فورا أشباح ليلية, فكان يخاف من النوم. وكان يحن إلى حياته بشكل شديد, فأمر بان يأتوا به عبر نهر الأردن, فكانت هناك حمامات حارة, وكان يقال ان هذه الحمامات تشافي الأجسام المريضة. وقرر أطباؤه ان يضعوه في زيت فاتر, فوضع في هذا الحمام, وإرتاح كل جسمه, وأصبحت عيناه مثل عيون رجال مائتين وإستلقى وما كان يتكلم وكان غير واع. واذن إستعاد وعيه فأمر بان يأتوا به إلى مدينة أريحا.
ولما يئس من حياته, إستدعى كل وجهاء اليهود من كل المدن, وأمر بان ينسجنوا في سجن. ثم نادى أخته سالومي وزوجها إسكندر, وقال: أنا أعرف ان هذا الشعب اليهودي سيفرح كثيراً بوفاتي, وإنه من الممكن ان يكون لي تشييع كريم مع بكاء حشود كبيرة, اذا أطعتم أوامري. عندما أموت, أقتلوا فوراً كل وجهاء اليهود الذين سجنتهم في سجن, ثم ليجبر إخوتهم الذين سيفرحون بوفاتي على البكاء.
ثم أمر مقاتليه بان يقوموا بهذا القتل, وأعطى كل واحد منهم ٥٠ شيلينغ مكافأةً, لكي لا يمنعوا أياديهم من سفك الدماء. ثم عانى من وجع شديد, فأمر بقتل إبنه أنتيباتير ظلماً, مع إثنين قتلهما في فترة سابقة. ثم, لما شعر بان وفاته قريبة, أمر بتسليم سكين لكي يقطع تفاحة وطعن نفسه بشكل عنيف. هكذا كانت وفاة هيرودس, الذي كاد بشكل خبيث للأمير السماوي وقتل ظلماً كل الصغار الأبرياء من نفس العمر.
وإذن بعد وفاة هيرودس ظهر ملاك الله ليوسف خلال النوم في أرض مصر, وقال: قم وخذ ذلك الطفل وأمه وإرجع إلى أرض إسرائيل, فمات الذين كانوا يكيدون لحياة الطفل. فقام كما أمره الملاك, وأتى بالطفل والأم إلى أرض إسرائيل. ثم أطمأن يوسف لان أركيلوس كان يحكم في أرض يهودا بعد أبيه هيرودس, ولم يجرؤ على الإقتراب من وجوده. ثم ذُكّر في النوم بانه عليه ان يتوجه إلى الجليل لان هذه الأرض ما كانت قريبة جداً ن الملك مع انها كانت جزء من مملكته. فسكن الطفل في تلك المدينة إسمها الناصرة, فتحققت النبوءة التي قالت بانه من اللازم ان يسمى بناصري. وقال الملاك ليوسف: إن الذين كادوا لحياة الطفل ماتوا. مع ذلك الكلام أظهر ان الكثير من وجهاء اليهود كانوا يفكرون في قتل المسيح, ولكن الماسأة حلت بهم حقاً فكلهم ماتوا مع سيدهم الخبيث.
ولا نطول هذه الرواية لكي لا تبدو لك مملة. ولكننا نصلي ونطلب الشفاعة عند هؤلاء الشهداء الأبرياء, فهم الذين يتبعون المسيح في لباس أبيض أينما ذهب. ويقفون امام عرشه بدون اي شائبة وفي أياديهم أغصان النخلة وينشدون النشيد الجديد, لكي يشرفوا الله سبحانه وتعالى الذي يعيش ويحكم بدون نهاية. آمين.