بخصوص وجهات النظر نحو الجهاد في سوريا, نستطيع ان نحدد ثلاثة فساطيط رئيسية ممن نسميهم بالجهاديين. الفسطاط الاول هو جماعة الدولة الاسلامية ومناصروها ولثاني هو القاعدة والشيخ أبو محمد المقدسي ومناصروهما والثالث هو هيئة تحرير الشام ومناصروها. طبعا لا يدخل كل الجهاديين في اي فسطاط من الفساطيط بشكل واضح. مثلا هناك البعض يكفر الهيئة ولا شك ان الكثير من الناس في الفسطاط الثاني يرى الغلو في فكره ولكنه بنفس الوقت لا يناصر جماعة الدولة الاسلامية.
على تلغرام هناك قناة اسمها <<جلاد المرجئة>> وهي عبارة عن قناة ضمن الفسطاط الثاني مع انه من الجدير بالذكر ان القناة لا تدعي انها تمثل رأي اي جماعة وانما تمثل رأيها الشخصي فقط. تعتقد القناة ان الهيئة انحرفت نحو الارجاء. ولمن لم يعرف هذا المصطلح, فانه عبارة عن فكر منحرف في التاريخ الاسلامي قال بانه لا يجب ان ترافق الافعال الإيمان. اما في سياق المناظرات الجهادية فان المقصود بالارجاء في اغلب الاوقات هو التنازل غير المقبول في الافعال فيخالف هذا التنازل المنهج والعقيدة الصحيحة.
واليكم المقابلة التي اجريتها مع قناة <<جلاد المرجئة>> بتأريخ ٢٥ سبتمبر عام ٢٠٢٠ ميلادي.
كيف تقيم الوضع العام في الساحة الشامية اليوم خصوصا من الناحية العسكرية والناحية الادارية في <<الشمال المحرر>>؟
جواب السؤال الأول:
لا يخفى على أحد اليوم الوضع المزري الذي تمر به الساحة الشامية في منطقة "الشمال المحرر" حيث نلاحظ الموقف الهزيل للفصائل العسكرية في إصدار أي قرار عسكري يتعارض مع التفاهمات التركية-الروسية، وأكبر دليل على ذلك هو سماح الهيئة بمرور الدوريات الروسية التركية المشتركة في داخل المناطق المحررة وهذا ما يدل على تناقض التصريحات السابقة للجولاني زعيم الهيئة عندما قال فيما معناه بأن مسألة الدوريات المشتركة مرفوضة تماما عند الهيئة وعامة الشعب في المحرر وأنهم لن يسمحوا بدخول جندي روسي واحد إلى المحرر إلا من خلال المعارك، فدخول الروس للمنطقة بعد هذه التصريحات يعني أن الفصائل تحت خيارين ليس إلا:
أ- هذه الفصائل قوية ولديها الإرادة ولكنها خانت الجهاد ونفذت ما كانت تعتبره في الأمس خيانة وهو إدخال الروس الذي يعتبر أحد بنود سوتشي!
ب- هذه الفصائل باتت ضعيفة جدا ولا تقوى على اتخاذ قرار بمواجهة أو رفض التفاهمات التركية-الروسية، ولذلك باتت هزيلة ومسلوبة الإرادة لصالح الحكومة التركية الراعية لكل هذه المؤامرات على الجهاد الشامي، ولكن هذا الخيار يمكن نسفه بسهولة، لأننا رأينا القوة العسكرية الضخمة التي هاجمت بها الهيئة الجماعات الجهادية الرافضة لسوتشي، فهنا يظهر لدينا الخلل الكبير في تنظيرات شرعيي وقادة الهيئة لواقع جماعتهم فتارة يدعون القوة أمام المجاهدين ثم يدعون الضعف أمام دوريات الروس الصليبيين والجيش التركي العلماني!
وأما بالنسبة لما يسمى بالجيش الوطني، فأمره لا نقاش فيه بالنسبة لي من حيث التبعية لتركيا والعمالة المطلقة لها وبات هذا الجيش عبارة عن شركة مرتزقة كواغنر الروسية وبلاك ووتر الأمريكية (التشبيه هنا من ناحية الارتزاق وليس من ناحية الخبرات العسكرية طبعا)، فترسلهم تركيا حيث شاءت ومتى شاءت ومن يعترض فسينطرد، وأما خيار قتال النظام المجرم فهو خيار ملغي من قاموس هذا الجيش "الوطني" إلا إذا أمرت تركيا بذلك وفي المكان والزمان اللذان تحددهما تركيا فقط.
وأما من الناحية الإدارية فالصراع السلطوي وكسب ود الحكومة التركية العلمانية يراه الجميع قائما اليوم بين ما يسمى حكومة الإئتلاف العلمانية في ريف حلب الشمالي وما يسمى حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة في إدلب، والحقيقة أن هاتين الحكومتين هما عبارة عن أشكال كرتونية تتبع للفصيل المسيطر الذي يضعهما كواجهة له أمام العالم لا أكثر، ولو دققنا لرأينا أن هاتين الحكومتين لا تملكان أدنى الصلاحيات الإدارية أو الأمنية في مناطق تواجدهما، فالجهاز الأمني التابع للهيئة يعتقل من يشاء ومتى يشاء وبشكل منفصل عن ما يسمى حكومة الإنقاذ، بل ولديه سجون خاصة به لا تستطيع الحكومة التدخل بها لأنها أساسا حكومة منتدبة من داخل الهيئة، والمفصل الاقتصادي ولجنة الغنائم في الهيئة له دخله الخاص ويستطيع التحكم في المعابر التجارية ويستطيع الاستيلاء على أي بيت في إدلب ووضعه باسم الهيئة دون تدخل مما يسمى الحكومة، هذه أمثلة لا أكثر ولا ننسى المحاكم والقضاء وغير ذلك.
وأما في ريف حلب فإن حكومة الإئتلاف العلمانية لا تختلف كثيرا عن حكومة الإنقاذ بل ووضعها أسوء بسبب انقسام الجيش الوطني هناك على شكل فصائل وعصابات فمنهم من يعتقل ومنهم من يخطف ومنهم من يداهم بيوت ومنهم كذا وكذا، دون أن يلتفت لأي سلطة موجودة هناك، والفساد حدث ولا حرج.
وطبعا لا ننسى كثرة المظالم والاعتداءات المتكررة على المسلمين والحوادث كثيرة! كحادثة قتل مسلم ودهس البعض بالسيارة من قبل أمنيي الهيئة عند محاولة الهيئة فتح معبر تجاري مع النظام المجرم في منطقة معارة النعسان، وكذلك لا ننسى الحادثة القريبة التي حصلت وهي اعتداء الأمنيين على نساء المسلمين في أطمة وشتمهن واطلاق النار لتفريقهن أثناء خروجهن في مظاهرة للمطالبة بأبنائهن المعتقلين لدى الهيئة وغيرها الكثير! وطبعا لا يتم محاسبة المجرم وإنما ترقيته للأسف! ولا ننسى قضايا الاعتقال التعسفية بحق أي مخالف أو من ينشر رأيه ويعترض على الإعلام ضد الهيئة وزعيمها وإغراق الناس بالضرائب تارة بحجة المخالفات المرورية وتارة بحجة النظافة وتارة يفرضون الضرائب على البسطات ويقيسونها بالمتر ويحاصصون الفقير على رزقه، وأما ريف حلب الشمالي فهناك حدث ولا حرج، فالأصل أنهم عصابات خطف وتشليح والمظالم عندهم لا تختلف عن المظالم في إدلب بل تزيد!
والنتيجة النهائية هي عدم رضى الأهالي عن الأوضاع العسكرية بسبب فقدان الفصائل للإرادة في اتخاذ القرارات وعن الأوضاع الإدارية خاصة، بسبب كثرة الضرائب وغلاء الأسعار وكثرة الظلم والفشل الإداري في المنطقتين (مع وجود فرق ما بين إدلب وريف حلب)، ولسان حال كل منطقة يناشد تركيا أن تستعمله في إدارة المنطقة الأخرى!
طبعا انت لا تمثل اي جماعة, ولكنني اود ان اسال ما هي جذور الخلافات بين هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل المجاهدة التي اجتمعت تحت غرفة عمليات <<فاثبتوا>>? هل تعتقد ان هيئة تحرير الشام انحرفت في المهنج والعقيدة نحو الإرجاء? اذا انحرفت هكذا فكيف بالضبط وما هي الاسباب؟
جواب السؤال الثاني:
بخصوص هذا السؤال يحاول الكثير من المشايخ والكوادر في الساحة الشامية وخارجها تصوير ما جرى من اقتتال بين غرفة عمليات فاثبتوا وهيئة تحرير الشام على أنه صراع على حقوق أو سلاح أو سلطة أو صراع بسبب اجتهادات سياسية، وهذا فهم خاطئ وفيه تضليل لمن يتابع هؤلاء العلماء والكوادر، لأن الخلافات التي حصلت ليست بسبب اجتهادات سياسية وإنما بسبب خلافات منهجية وعقدية باتت واضحة في الآونة الأخيرة ويمكنني تشبيه الخلاف مع الهيئة اليوم بأنه تدرج حتى وصل إلى هنا كما حصل في الخلاف مع جماعة الدولة حيث كان في البداية تنظيمي ثم انتهى إلى خلاف عقدي، وهذا بسبب أفعال وتصريحات قيادات وشرعيي الهيئة، فتمهيد الطريق أمام اتفاقية سوتشي ليس أمرا اجتهاديا سياسيا وإنما هو نابع عن منهج فاسد وعقيدة بات انحرافها واضحا في الآونة الأخيرة، فإن تزامن قتال الهيئة لفصائل غرفة عمليات فاثبتوا مع المطالبات الروسية لتركيا بالإيفاء بالتزاماتها تجاه بنود اتفاقية سوتشي والمتمثلة بتحييد وقتال الجماعات الجهادية (الرديكالية) بالتزامن مع تسيير الدوريات التركية الروسية المشتركة داخل إدلب.. يعطينا تصورا واقعيا لحقيقة الصراع، فغرفة عمليات فاثبتوا أعلنت في بيان تشكيلها أنها تشكلت لكسر المؤامرات الدولية وهذا ما يتعارض مع التفاهمات التركية الروسية، ولكن من قام بقتال الغرفة هي الهيئة! وهنا سيشعر المتابع للأحداث أن الهيئة كانت الأداة التركية (بشكل مباشر أو غير مباشر) للتخلص من تهديدات الجهاديين المستمرة تجاه الاتفاقيات الدولية، وهنا يكون الخلاف بين الهيئة وغرفة فاثبتوا هو رفض الانصياع للمؤامرات الدولية والتبعية لتركيا العلمانية وهذا ما لا يعتبر خلاف اجتهادي وإنما انحراف عقدي له ما بعده إن بقيت الهيئة على ما هي عليه اليوم! ومن الأمور التي تدحض قول البعض بأن الخلافات بين الجماعتين على سلطة أو مال وسلاح...الخ هو أن معظم أمراء وكوادر تشكيلات غرفة فاثبتوا كانوا من كبار الأمراء والشرعيين في أيام جبهة النصرة كالشيخ أبي همام أمير حراس الدين والدكتور سامي العريدي الشرعي العام لحراس الدين (ولم يدخلا الهيئة) أو أيام الهيئة كالدكتور أبي عبد الله فجر أمير جبهة أنصار الدين وأبو العبد أشداء أمير تنسيقية الجهاد والشيخ أبو مالك التلي أمير لواء المقاتلين الأنصار، فهؤلاء جميعهم خرجوا من السلطة والمال والجاه وآثروا حياة القلة في كل شيء من الناحية المادية والعسكرية وانعدام الموارد مقابل الحفاظ على استمرارية الجهاد ورفض مسار الهيئة المنحرف.
وأما بالنسبة لهيئة تحرير الشام فبالطبع أرى أن قيادة الهيئة قد انحرفت من الناحية العقدية والمنهجية نحو الإرجاء وخاصة الإرجاء السياسي، ويعود ذلك في البداية لعدم صدقهم في تبني نظرة التيار الجهادي من البداية لأن الجولاني وبعض القيادات الذين معه قد دخلوا تحت عباءة القاعدة مضطرين وهاربين من بطش البغدادي وليسوا مقتنعين أو منجذبين للتيار الجهادي الذي كان متمثلا بالقادة الخرسانيين الذين شهدنا استشهادهم واحدا تلو الآخر بقصف التحالف الصليبي لهم، فقيادة الهيئة المتمثلة بالجولاني ليست أساسا من تخريج مدرسة القاعدة وخرسان التي أخرجت لنا معظم قادة الجهاد الثابتين وإنما الجولاني كان من تخريج مدرسة العراق المتمثلة بالبغدادي وكانت تزكيته من القيادي الثاني في الدولة حينها أبو علي الأنباري ولذلك نرى أن منهج الدولة ينعكس على تصرفات الجولاني حتى بعد أن فارقهم، من حيث اتباع سياسة الإقصاء والبطش بالمخالفين وحب السلطة والصراع عليها والتعجل في تنصيب نفسه وليا على المسلمين، ولذلك أقول بأن قيادة الهيئة دخلت التيار الجهادي في فترة من الفترات من أجل الحماية وكسب الشرعية من السلفية الجهادية العالمية بعد خلافهم مع الدولة فأعجبهم هذا الأمر وانساقوا خلف شعارات القاعدة والتيار الجهادي، حتى اصطدموا بموجات الضغط الداخلية والخارجية عليهم وبدأ التحالف الصليبي باستهداف بعض المقرات المركزية والمعسكرات والشخصيات القيادية داخل الجبهة، وهنا نحن أمام خيارين:
أ- إما أن قيادة الهيئة (المتمثلة بالجولاني ومن حوله) كانت تبيت منهج الإرجاء منذ البداية وتكره التيار الجهادي وتنتظر الفرصة السانحة كي تنقلب على قاعدة الجهاد وتكمل المشروع الإرجائي الذي تهدف لإقامته (وهذا لا يتعارض مع تأثر الجولاني بمدرسة البغدادي الاقصائية لأن التصرفات واحدة مع اختلاف المشاريع بينهم).
ب- وإما أن قيادة الهيئة كانت عبارة عن مجموعة من الهواة والمتحمسين الذين أعجبتهم قوة وسطوة قاعدة الجهاد والتيار الجهاد فركبوا هذه الموجة وأصبحوا يتمسحون بقيادتها ويتغنون بمنهجها، ثم عندما بدأت الحملة الداخلية والخارجية عليهم ووضعوا على قائمة الإرهاب الدولية لم يستطيعوا تحمل تكاليف أن يكونوا تابعين لجماعة قاعدة الجهاد فأصابتهم ردة فعل عكسية أخذتهم نحو الإرجاء السياسي خطوة بخطوة، وباتوا يبررون كل شيء يفعلونه تحت المصلحة والمفسدة لمؤاثرة الراحة وتجنب عناء المواجهة العالمية مع أمريكا.
وبناء على ذلك بدأت التنازلات شيئا فشيئا، فإما أنها كانت تنازلات مدروسة ومجهز لها مسبقا، وإما أنها تنازلات نابعة عن جهل فكري وحركي ومنهجي لدى قيادة الهيئة، وكانت أولى التنازلات وأخطرها هي نكث البيعة وفك الارتباط بالقاعدة والكذب على كوادر وجنود الهيئة وحتى بعض القيادات بأنه تم فك الارتباط برضى الشيخ أيمن الظواهري، ثم ظهر عكس ذلك، ثم توالت التنازلات التي تجسدت بفتح العلاقات مع الحكومة التركية العلمانية وبدأ تطبيق اتفاقية استانا بشكل تدريجي بدأ بإدخال ثلاث نقاط تركية إلى إدلب بدون سلاح ثقيل وعدد لا يزيد عن 100 من جنود الجيش التركي العلماني والادعاء بأنهم تحت سلطان الهيئة، ثم توسيع النقاط إلى 6 نقاط ثم توسيعها إلى 12 نقطة، ثم تحول هذه النقاط إلى قواعد عسكرية ضخمة ودخول السلاح الثقيل التركي وأعداد كبيرة من الجيش التركي العلماني ودخلت معه الدبابات والمدرعات والمدافع وغير ذلك، وبات تعداد الجيش التركي العلماني في إدلب أكبر من تعداد الهيئة نفسها! وبالتزامن مع هذا كانت الهيئة تحاصر وتحكم الخناق العسكري والاقتصادي على الجهاديين المتمثلين بغرفة عمليات وحرض المؤمنين عامة وحراس الدين خاصة حيث كانت دائما ما تستفزهم باعتقالات تعسفية بحق عناصرهم وكوادرهم وعرقلة عملياتهم العسكرية على النظام المجرم ومنع الفصائل من دعم الغرفة بالمال والسلاح وتهديدهم في حال فعلوا ذلك، ثم انتهى كل هذا بقتال الهيئة لغرفة عمليات فاثبتوا، ثم توالت التنازلات حتى تشمل التزام الهيئة بالمفاوضات التركية مع روسيا والالتزام بمخرجاتها كفرض الهدنة في إدلب وقتال الجماعات الجهادية وتسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة، ومما يدل على ذلك هو الشكر الذي صدر من قيادة الهيئة للحكومة التركية ببيان رسمي إبان اتفاقية موسكو التي لا تنفصل عن اتفاقية سوتشي! ثم نلاحظ الحملة الشديدة من قبل الهيئة على معظم التيارات الإسلامية في إدلب المنحرفة منها أو الجهادية واعتقال البعض وملاحقة آخرين، ومن التنازلات الواضحة أيضا هي الشروط التي وضعها الجولاني على حراس الدين (والتي رفضها الحراس) بعد الاعتداء الأخير من قبل الهيئة على المجاهدين، وكان من بين الشروط منع الحراس من إصدار بيانات تعزية بقادة قاعدة الجهاد الذين يقتلون في الخارج على يد التحالف الصليبي وإجبار الحراس على الانضمام لغرفة الفتح المبين التابعة لتركيا العلمانية كلواء يشرف عليه أحد أفشل العسكريين في الهيئة أبو حسن 600 ومن الشروط أيضا تسليم بعض قيادات الحراس للهيئة كي يسجنوهم ثم قال الجولاني من لا يقبل بهذه الشروط فليجلس في بيته أو سنشتغل على الحراس أمنيا والحراس يشتغلوا علينا!! وكأن الأمر لعب أولاد في الحي!!، وهنا لا بد من الإشارة إلى أمر مهم وهو أن الهيئة خاصة وغرفة الفتح المبين عامة هي غرفة فاشلة عسكريا! فها هي نصف مساحة المحرر قد سقطت ولم تستطع هذه الفصائل استعادة السيطرة على أي جزء منها حتى بعد تدخل الجيش التركي العلماني لمساندتها، وهنا بالطبع لا علاقة لنا بالجنود الذين اقتحموا وشاركوا وبذلوا دماءهم في المعارك ولكننا نتكلم عن قيادة عسكرية وإدارية فاشلة أو متواطئة مع اتفاقية سوتشي! فهي الآن لا تستطيع فتح معركة واحدة ضد النظام المجرم دون مشورة أو إذن الجيش التركي العلماني! وحتى ما قبل الحملة العسكرية الأخيرة للنظام على إدلب، ذكر أبو العبد أشداء في الفيديو الشهير (كي لا تغرق السفينة) بأن الهيئة كانت تعلم قبل شهرين بوجود حملة عسكرية على قرية كفرنبوذة وتمت المطالبة بتحصين المنطقة، فتعذرت قيادة الهيئة بعدم وجود مازوت للآليات!! وهذا مثال بسيط إما على فشل قيادة الهيئة أو تعاونها في تنفيذ اتفاقية سوتشي! هذا عدا عن مسألة فشل التخطيط العسكري أثناء حملة النظام المجرم، حيث تم إهمال منطقة الساحل واشغال الشباب المتحمس في مواجهات كسر عظم مع النظام المجرم دون وجود تكتيكات عسكرية تحفظ دماء الشباب وتثخن بالعدو النصيري وتستنزفه! فكان في بعض الأحيان يستشهد من الشباب مئة جندي خلال يوم واحد وهذا ما حدث في معركة تلة الحماميات التي دخلتها الهيئة ليوم ونصف ثم لم يخرج من الشباب أحد! ولو سألت العسكريين ماذا حصل؟ لقالوا لك قدر الله وما شاء فعل! ثم تنتهي القضية دون مراجعة أو محاسبة! فبعد هذا على أي أساس سيقبل الجهاديون أن يدخلوا تحت تصرف الهيئة أو غرفة الفتح المبين وقد بان الفشل والعجز العسكري عندهم؟!
ثم نرى اليوم المزيد من التنازلات من خلال الحوار الصحفي الذي أجراه عبد الرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي للهيئة مع صحيفة Le Tempes السويسرية عندما صرح بأنه لا مشكلة بين الهيئة والدول غير روسيا وإيران ودعى للحوار معها وخصص بالكلام الحكومة الفرنسية الصليبية المحاربة للإسلام والجهاد والمسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكلام عطون يشمل عدم وجود مشكلة بين أمريكا والهيئة بالطبع! فهو خصص روسيا وإيران كأعداء للهيئة فقط! وهذه التصريحات لها ما بعدها إن تم تحليلها وتفصيلها، ولا يغيب عنا تصريح عطون في نفس المقابلة بأن الهيئة لا تشكل خطرا على الغرب وليس لديها نية للعمل خارج سوريا، وهذا ما يزيد من رسائل الطمأنة للغرب بهدف التقرب منهم وجعلهم مقبولون دوليا!
ومن الأسباب الهامة التي ساهمت في انحراف قيادة الهيئة هو غياب المرجعية الشرعية الصادقة والثابتة التي تصحح المسار وتحافظ على الجهة الصحيحة للبوصلة، وذلك من خلال قيام الهيئة بإقصاء معظم علماء التيار الجهادي وإسقاطهم وتشويه صورتهم والاستغناء عن خبرات المخضرمين في الساحات الجهادية، والاكتفاء بآراء شرعييهم الذين ظهر للجميع طاماتهم وفساد فتاواهم، وجعل المفصل الشرعي داخل الهيئة يتبع للقيادة وليس العكس! بحيث يقرر الأمير ويفعل ما يحلو له ثم يجعل المفصل الشرعي يبرر ويرقع ذلك القرار، والأصل أن الأمير يتبع للشرعي وليس العكس!
كل هذه الأمور وغيرها الكثير من الأحداث الفرعية التي حصلت تجعلني أقول بأن قيادة الهيئة باتت منحرفة عقديا نحو الإرجاء وقيامها بتنحية الضوابط الشرعية لما تقوم به لأن معظم ما تفعله اليوم يخالف تصريحات وعقيدة الهيئة في البداية وجبهة النصرة سابقا وخاصة التعامل مع الاتراك واعتبارهم حلفاء بعد أن كانوا عصى أمريكا في المنطقة واستساغة فتح العلاقات معهم ومع باقي الدول رغم أنها حاليا جماعة صغيرة باستطاعة أصغر جهاز استخبارات دولي أن يخترقها نتيجة هذا الانفتاح الخطير على التعامل مع الدول.
هل تعطل الجهاد في الساحة الشامية بسبب نفوذ الدول الكبرى مثل تركيا وروسيا؟ كذلك نرى في الفتره الاخيرة مقتل الكثير من الاخوة على ايادي الطائرة المسيرة الأمريكية. ما هي اسباب ذلك ومن يسرب المعلومات عن تواجد الاخوة؟
جواب السؤال الثالث:
نعم بالطبع إن نفوذ الدول كتركيا وروسيا كان وما يزال له دور كبير جدا في تعطيل الجهاد في الساحة الشامية، فلنرجع عدة سنوات إلى الوراء لنشاهد أن كثير من المناطق كانت محررة في سوريا كحلب والغوطة ودرعا والقلمون وبعض أحياء دمشق وريف حمص الشمالي وريف حماة الشمالي وغيرها، ثم تدخلت القوة العسكرية من جهة والمؤامرات الدولية من جهة أخرى، وكانت تركيا هي الضامن الزائف والمروض للفصائل وخاصة في الشمال، وكانت أولى صفقات البيع والخيانة وسقوط للمناطق بيد النظام بفعل الاتفاقيات الدولية هي عملية تسليم حلب للنظام مقابل سيطرة الاتراك على مناطق ريف حلب الشمالي من جماعة الدولة، فتم سحب معظم المقاتلين من جبهة حلب إلى معركة درع الفرات! وسقطت حلب، وبدأت سياسة القضم والهدن تسري في كامل مناطق سوريا فيتم تخدير جميع المناطق السورية بالهدنة وذلك بأوامر دولية لقادة الفصائل، ثم يتم الهجوم العسكري على منطقة ويتم السيطرة عليها ثم الانتقال إلى المنطقة التي تليها، وكان دور تركيا في هذه المؤامرات هو ترويض الفصائل كلها وجعلها تابعة لها ومستجيبة لأوامرها وتنفذ مخرجات الاتفاقيات التي تحصل بين تركيا وروسيا، وأكبر مثال على ذلك هو فرض الهدنة في إدلب عندما بدأت معركة النظام على الغوطة الشرقية، وحتى يبرر قادة الفصائل تخاذلهم عن نصرة الغوطة وتغطية التزامهم بالهدنة نشبت حرب داخلية استمرت إلى حوالي شهرين ونصف، قتل وجرح فيها حوالي 1000 من جنود الهيئة والجبهة الوطنية، وبعد أيام من تمكن النظام المجرم من السيطرة على الغوطة انتهى الاقتتال الداخلي في الشمال، وهذا يدل على أنه كان هناك خطة تركية روسية من أجل إضعاف منطقة الشمال وتمزيق صف الفصائل هناك! وهذا ما حدث بالفعل حيث ترك الكثير من الشباب الجهاد في سبيل الله، ومنهم من سافر إلى تركيا، ومنهم من تم طردهم من قراهم وبلداتهم وأخص بالذكر مقاتلي الغاب! وللأسف الجولاني أدخل الساحة في دوامة الصراعات الداخلية والنفوذ والسيطرة دون مراعاة للوضع العام للساحة وما سيترتب على هذه الاقتتالات من كوارث! وللأسف كانت هذه الاقتتالات تحت حجج واهية قد قام الجولاني بفعلها بعد ذلك! فمثلا عند القتال الأول بين الهيئة والأحرار كانت الحجة بأن الأحرار يريدون إدخال الأتراك العلمانيين وتمكينهم من إدلب، فحصل القتال بالفعل ولكن نتفاجئ فيما بعد بأن الهيئة قامت بإدخال الأتراك ومكنتهم واليوم الجيش التركي العلماني أصبح أكبر قوة في المحرر! وعند القتال الثاني مع الزنكي والأحرار (القتال الطويل) كانت الحجة بأن جماعة الزنكي يريدون إدخال قوات من درع الفرات إلى مناطقهم، وحصل القتال وسفكت دماء مئات الشباب وحصل الصلح، واليوم نرى إدلب وقراها تعج بمقرات درع الفرات كالشامية والحمزات والشرقية وغيرهم! والسلام على تلك الدماء التي سالت تحت هذه الحجة! وعند القتال الثالث مع الزنكي والأحرار خرج الجولاني بلقاء مرئي بعد انتهاء القتال وتفكيك تلك الفصائل وقال بأن سبب القتال هو أن فصيل الزنكي عميل للروس واجتمع معهم وكانوا يخططون لتسليم ريف حلب إلى النظام! وأن الهيئة تملك دلائل على ذلك! ثم نتفاجئ بأن الهيئة أدخلت الزنكي إلى ريف حلب عند حملة النظام الأخيرة على إدلب! فكيف استأمن الجولاني أن يدخل فصيل الزنكي إلى المنطقة وهو عميل للروس؟!! فكانت الفاتورة النهائية هي مقتل وجرح آلاف الشباب وإضعاف القوة الداخلية للشمال والاستفراد بالسلطة واحتكار كل شيء لصالح الهيئة، وعندما بدأت الحملة وسقطت المناطق بيد النظام المجرم اتضح هذا الأمر!
وهنا لا بد أن أؤكد بأن كل هذه التصرفات والمراهقات التي قام بها الجولاني لا علاقة لتنظيم القاعدة بها! فالقاعدة رفضت هذ الأمر منذ القتال الأول على المعبر بين الهيئة والأحرار، وأصدرت بيانا رسميا يرفض القتال وسفك الدماء ويدعو للجلوس إلى شرع الله، ولكن الجولاني بعد فك الارتباط وتشكيل الهيئة بات يخطط وينفذ ما يدور برأسه فقط، وكذلك الاقتتالات اللاحقة كان تنظيم حراس الدين وغرفة عمليات وحرض المؤمنين يرفضون المشاركة بها مع أي طرف ويدعون للصلح وحقن الدماء لأن النتيجة معروفة وهي إضعاف الصف الداخلي وإراقة الدماء ثم يتصالح القادة ويعود الإخوة المتشاكسون إلى طبيعتهم ولكن الفاتورة ستكون كبيرة من دماء شباب الأمة!
وأما بالنسبة لكثرة استهداف قيادات الجهاد من قبل التحالف الصليبي فهذا له عدة أسباب:
أ- وجود اختراق مخابراتي داخل الجماعة التي يتواجد فيها ذلك القيادي المستهدف.
ب- وجود جواسيس على الأرض تابعين للتحالف الصليبي يلاحقون هذا القيادي ويجمعوا عنه المعلومات والصور ثم يحددون موقعه فيقوم التحالف الصليبي بقصفه.
ج- وجود اختراق الكتروني من قبل الاستخبارات لأجهزة يستخدمها ذلك القيادي كالجوال واللابتوب، ويستطيع من خلال ذلك تحديد موقع ذلك القيادي واستهدافه.
د- وجود بعض حالات الاستهتار من بعض القيادات المستهدفين من قبل التحالف الصليبي، وهذا الاستهتار يكون في كثرة التواصل على النت أو التساهل في تحديد المواعيد أو التساهل في مسألة معرفة الكثير من الناس لشكل هذا القيادي أو مكان إقامته أو نوع سيارته...الخ
هذه بالمجمل من أسباب كثرة مقتل القياديين الجهاديين -تقبلهم الله- على يد التحالف الصليبي قاتله الله.
ولكن هنا لا بد من الإشارة إلى قضية مهمة في هذه المسألة وهي قاعدة "من أمن العقوية أساء الأدب"، وهنا أتحدث عن مسألة عدم قيام الهيئة بإعدام أي عميل للتحالف على الملأ والتشهير بذلك كما فعل فرع القاعدة في اليمن مثلا! فهذا يجعل الجواسيس يرتدعون بعض الشيء أو يخففون من عملهم على الأرض! ولكن في إدلب يعملون بأريحية بسبب عدم التشهير أو إصدار فيديوهات عن عملاء التحالف الصليبي! فنلاحظ مثلا وجود إصدارات للهيئة عن ملاحقة وقتل خلايا من الدواعش المجرمين وهذا يجعل الخوارج يرتدعون نوعا ما! ولكن حتى الآن لا يوجد إصدارات ملاحقة وقتل بحق جواسيس التحالف رغم مقتل العشرات من قياديي الجهاد على يد التحالف ولا حول ولا قوة إلا بالله!
بل وهنا لا بد من أن أذكر حادثة الشيخ القسام -تقبله الله- الأمير العسكري لحراس الدين عندما أمسك بأبي ماريا القحطاني أحد كبار قادة الهيئة وكان حينها يصوره ويصور سيارته وتحجج يومها القحطاني بأنه يلاحق دواعش واشتبه بسيارة الشيخ! ثم بعد أسبوع انفجرت عبوة ناسفة بسيارة القسام وأصيب هو وزوجته، ثم بعد فترة تم استهدافه من قبل طائرات التحالف الصليبي واستشهد رحمه الله! وهنا لا أوجه الاتهام لأحد ولكن أعطي مثال عن مدى تراخي الهيئة في ملاحقة ومعاقبة جواسيس التحالف بل وفي سعي بعض قياداتها لاستهداف قادة الجهاد!
كيف بإمكان المجادهدين في الساحة الشامية ان يصححوا المسير خصوصا في ظل الضغط الكبير عليهم؟
جواب السؤال الرابع:
الجهاد في سبيل الله لا يتعلق بجماعة ولا تنظيم وهو قائم إلى يوم القيامة بإذن الله، وبالطبع إن ما حل بالمجاهدين في إدلب كارثة كبيرة ولكن مع ذلك فإن المجاهدين باستطاعتهم تدارك الأمر وتصحيح المسار من جديد بالثبات على العقيدة والمنهج واستمرارية الجهاد ورفض التنازل أو الرضوخ لأي شروط إذلالية يحاول وضعها أهل الضلال اليوم، ولا بد أيضا من الصبر فإن الثبات يحتاج إلى الصبر على مشاق هذا الطريق الموحش والمليء بالمحن والابتلاءات فمن لم يصبر ويحتسب فلن يستطيع الثبات.
هذا بالإضافة إلى أنه يجب على المجاهدبن أخذ حذرهم في هذه الفترة والحرص على إبقاء أنفسهم بعيدا عن أعين المجرمين، ومع هذا كله يجب على المجاهدين الحرص على الإعداد البدني والفكري والحركي تجهيزا للمرحلة القادمة التي أراها أصعب وأشد من كل ما مضى.. فالصبر الصبر والثبات الثبات.
اخيرا ما هي توقعاتك بالنسبة للجهاد في الساحة الشامية على المدى الطويل؟
جواب السؤال الخامس:
مما أتوقعه للساحة الشامية عامة هو عودة انتشار حرب العصابات وتوسع بؤرها وعدم اقتصارها على درعا ودير الزور، بل ستنتشر بكثرة بإذن الله لأن الناس قد أدركوا أن هذا هو الحل الأنجع في مواجهة نظام نصيري يدعمه كل دول العالم
وأما عن مصير الساحة في إدلب فلن أخفي قلقي وتوقعاتي لما سيحصل.. وسأذكر هنا مثالا واقعيا... حاليا بدأ يكثر الحديث عن العملية السياسية في سوريا والحلول التوافقية بين النظام والمعارضة وبدأت تحدث جلسات مفاوضات ما بين وفد الائتلاف العلماني ووفد النظام المجرم، فلنفترض أن هذه المفاوضات نجحت وتم الاتفاق على شيء معين، فتركيا فورا ستضغط على فصائل الجيش الوطني التابعة لها كي تعترف بهذه المفاوضات وتباركها وبالتالي فإن في ريف حلب الشمالي سيكون هناك سيناريو مشابه لسيناريو درعا، فيصبح الجيش الوطني في حالة تسوية مع الجيش النصيري ويتم تسليم المنطقة للنظام، ومن يستبعد هذا الخيار نقول له ها هي درعا وريف حمص الشمالي قد حصل فيها نفس السيناريو بعد أن كان الجميع يستبعد حصول مثل هكذا أمر فظيع! وإن هذا الأمر يجعلنا نشعر بالقلق إزاء الأنباء المتواترة والمتكررة عن قرب حدوث مشروع وطني يجمع الهيئة مع الجيش الوطني في كيان عسكري ومدني موحد وللأسف هناك ترتيبات تجري حاليا للمضي بهذا المشروع فقد تم إحصاء عدد الألوية وإطلاع الأتراك على معظم معلومات الهيئة ومقراتها ومعسكراتها ولم يتبقى سوى بعض الالأمور التي من بينها هو ملف دمج الجهاز الأمني الخاص بالهيئة مع نظيره الوطني وهذا ما يعرقل الأمر حاليا، وإن نجاح قيام هذا المشروع سيسهل على تركيا التحكم في إدلب وريف حلب بشكل كامل والتحكم بالمشروع الوطني الجديد كيفما شاءت بحكم أنه كيان واحد لو أجبرته على قبول المفاوضات التي تجري ما بين وفد الإئتلاف والنظام فحينها ستكون القاضية لا قدر الله!
أكرر بأن هذا السيناريو ليس مستبعدا وهناك أمثلة واقعية حصلت في مناطق سورية بنفس الطريقة، وإننا نتمنى أن لا يحصل ذلك، ولكن الخطوات التركية المتسارعة والتقرب الشديد من قبل الهيئة للأتراك والغرب يوحي بنهاية مشؤومة لهذه الجماعة ولغيرها من الجماعات الضالة، ولكن سيبقى سوق الجهاد في سبيل الله قائما في أرض الشام بإذن الله وسيمر المجاهدين الصادقين بمرحلة انحسار وامتصاص للصدمة (ما يحصل هذه الأيام هو بدايته) ثم صبر وعمل بجد ثم انتشار لعصابات المجاهدين من جديد، وهذا يعني إعادة هيكلة شاملة للجهاد الشامي وسيبقى الهدف الأعلى والأسمى هو إسقاط هذا النظام المجرم وتحكيم شرع الله ومتابعة الجهاد حتى تحرير بيت المقدس ونصرة المسلمين المستضعفين في كل مكان إن شاء الله.
هذا والله تعالى أعلم.. والحمد لله رب العالمين.