كما يعلم متابعو هذه المدونة أنا أحب ان أعطي مجال للكتاب والأصوات المحلية داخل الوطن السوري لكي يكتبوا عن مواضيع مختلفة في بلدهم قد تهمهم. فاليوم أقدم لكم مقالة بقلم كاتبة من معرة النعمان في محافظة إدلب. هي كتبت مقالة مهمة عن زيادة ظاهرة عمالة الأطفال في إدلب نتيجة عن الحرب في الوطن السوري.
عمالة الأطفال في إدلب .. مستقبل مجهول ومسؤولية قبل الأوان
بقلم ندى المحمود
تنتشر ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻋﻤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ وخاصة ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺳﻴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ، حيث شهدت هذه الظاهرة ﺗﻨﺎﻣﻲ ﻣﺨﻴﻒ، ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺪﺭﺕ قائمة ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻫﻨﺎﻙ، نتيجة ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺩﺧﻞ ﺍلأسرة، ﻭﺗﻔﺎﻗﻢ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ، ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﻦ ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ، مما دفع العديد ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺮ لإرسال أﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻴﺶ بسبب ﺍﻟﻔﺎﻗﺔ ﻭﺿﻴﻖ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻴﺪ .
على عربة لبيع الخضار، يقف عمر( 13 عاماً) ﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺃﺣﺪ شوﺍﺭﻉ مدينة إدلب ﻣﻨﺬ الساعة ﺍﻟﺴﺎﺩﺳﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎً ﺣﺘﻰ ﻭﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻗﺪ ﻳﻤﺘﺪ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺤﺎﻟﻔﻪ ﺍﻟﺤﻆ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻊ ﺇﻟﻰ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻠﻴﻞ، ﻳﺤﺼﻞ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺔ قصيرة لتناول الغدﺍﺀ .
ﻳﻘﻮﻝ عمر: "أضطر ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ ﻟﻤﺪﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻞ ﺃﻥ أبيع ما لدي، ﻟﻜﻦ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻟﺪي ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﺎ، فأعود بها إلى المنزل، لأعرضها ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻠﺒﻴﻊ، ﻣﺎ ﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ الربح ﻭﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ التعب . "
ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺗﻮﻗﻒ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻭﺗﺴﺮﺏ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ وتدهور قطاع التعليم ﻻ ﻳﺘﺮﻙ لهم ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺹ، ﻭﻳﺠﺒﺮﻫﻢ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻋﻠﻰ ترك مقاعد الدراسة وﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﻣﺎ .
الطفل حسام القدور (14عاماً) من بلدة خان السبل بريف إدلب ترك المدرسة للعمل في ورشة لتصليح السيارات، وعن ذلك يقول: " ﻣﻨﺬ ﻧﺤﻮ ﻋﺎﻣَﻴﻦ ﺃﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺭﺷﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻌﺔ ﺻﺒﺎﺣﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً، ﻭﺣﺘﻰ ﻣﻐﻴﺐ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﻭﺃﺗﻘﺎﺿﻰ ﺃﻟﻒ ﻟﻴﺮﺓ ﺳﻮﺭﻳﺔ يومياً، ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻧّﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺟﺪﺍً، ﻟﻜﻨّﻬﺎ ﺗﺆﻣّﻦ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ، ﻛﺬﻟﻚ ﺃﻧﺎ ﺃﺗﻌﻠّﻢ مهنة تعينني على الحياة ."
ويضيف القدور بغصة وحزن: "قرر والدي أن أترك المدرسة لأتفرغ للعمل، فلم يعد التعليم ممكناً في بلدنا بسبب فقدان الأمان، وهجرة معظم المدرسين الأكفاء ."
كما يعد فقدان المعيل من أهم الأسباب التي تدفع الأطفال للعمل، وتحمل المسؤولية بأعمار مبكرة بهدف الإنفاق على أسرهم .
الطفل بلال المصطفى(11سنوات) من مدينة سراقب اضطر لترك المدرسة مع أخيه بعد وفاة والدهم منذ ستة أشهر بهدف العمل والإنفاق على أسرتهما، وعن ذلك تحدث بلال: "باعتباري الابن الأكبر تركت المدرسة مع أخي الذي يصغرني بسنة واحدة لتحمل مسؤولية الإنفاق على أمي وإخوتي الصغار ."
ويبين بلال أنه مع أخيه وجدا صعوبة في إيجاد عمل مناسب، لذلك لجأا إلى البحث في مكبات القمامة عن أشياء يمكن بيعها والاستفادة من ثمنها مثل قطع النايلون والألمنوم والحديد .
ﻳﺘﺤﻤﻞ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻓﻲ بيئات العمل ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻵﻻﺕ ﺍﻟﺤﺎﺩﺓ ﻭﺃﺿﺮﺍﺭﻫﺎ، مما يعرضهم لخطر ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻵﻣﻨﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ، ﻭﺍﺳﺘﻬﺘﺎﺭ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻮﺭﺵ ﺑﺴﻼﻣﺘﻬﻢ .
أم جميل ﻣﻦ ﻣﻌﺮﺓ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ترجع ﺳﺒﺐ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﻭﻟﺪﻫﺎ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ 15ﻋﺎﻣﺎً ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ البناء ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺍﺟﻊ وضع أسرتها ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ، ﻭﺿﻌﻒ ﻣﺪﺧﻮﻝ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﺍﻟﻨﻔﻘﺎﺕ .
وعن ذلك تقول: "أشعر بالحزن وأبكي بصمت ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ أولادي الذين تركوا المدرسة، لكننا ﻣﺠﺒﺮون ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻴﺪ ﺣﻴﻠﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ليس أولادي فقط ﻣﻦ ﺗﺮكوا ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ للتوجه نحو ﺍﻟﻌﻤﻞ، بل هناك ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ من ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ يذﻫﺒﻮﻥ ﻛﻞ ﺻﺒﺎﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﻭﻻ ﻳﻌﻮﺩﻭﻥ حتى ﺍﻟﻤﺴﺎﺀ، ﻭﻫﻢ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﻫﻤﻮﻣﻬﻢ ﻭﺁﻻﻣﻬﻢ ﻣﻌﻬﻢ، ﻭﻳﺘﺤﻤﻠﻮﻥ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺎﺕ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮﻫﻢ ﺑﻜﺜﻴر ."
كما ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻡ جميل ﺑﺎﻷﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟﺤﻖ بأحد أطفالها ﻣﻦ تأذي ﺃﺻﺎﺑﻊ قدمه اليسرى نتيجة سقوط حجر عليها .
حسناء البلاني من مدينة إدلب مدرسة علم النفس تتحدث عن عمالة الأطفال بقولها: "نجدﻫﻢ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ، ﺃﻃﻔﺎﻝ ﻟﻢ ﻳﺘﺬﻭﻗﻮﺍ ﺣﻼﻭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، بل ﻳﺘﺠﺮﻋﻮﻥ ﻣﺮﺍﺭﺗﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻗﺴﻮﺓ، وﻳﻜﺪّﻭﻥ ﻟﻴﻌﻴﻠﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﺃﺳﺮﻫﻢ ."
وتشير البلاني أن ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﻋﻤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ ﺗﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﻣﻮﺭ منها ﺗﺪﻧﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ المعيشي، إضافة إلى اعتقاد البعض أن ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺃﻣﺮ ﺛﺎﻧﻮﻱ لا ﻳﻔﻴﺪ، ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻓﻌﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺇﺭﺳﺎﻝ ﺃﺑﻨﺎﺋﻬﻢ ﻧﺤﻮ ﻣﻬﻨﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻹﺩﺧﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ ﺍﻟﻌﻤﻞ ليصبح كل منهم ﻣﻨﺘﺠًﺎ، قادراً على مساعدة ﺃﺳﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﻔﺎﻕ .
وتضيف: "كما أن ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻷﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ يتولى الإنفاق على الأسرة، أو ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻷﻡ ﻳﺆﺛﺮ ﺳﻠﺒًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ."
وتؤكد البلاني أن ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻋﻤﺎﻟﺔ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺴﻮﺭﻱ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺍﺭﺗﻔﻌﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻠﺤﻮﻅ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻨﺰﻭﺡ ﺃﻭ ﺑﺴﺒﺐ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻷﺏ لموت أو اعتقال، لذلك أصبح ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ للأطفال السوريين ﻓﺮﺻﺔ ﻟﺘﺤﺴﻴﻦ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، ومنهم من يتعلم ﻣﻬﻨﺔ على أمل ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻋﺪه ﻓﻲ ﺗﺄﻣﻴﻦ مستقبله، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﺮّﺿﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ."
الحرب السورية ﺩﻓﻌﺖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻟﺘﺮﻙ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ﻭﺗﺤﻤﻞ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻷﺳﺮﺓ، مما ﻳﻨﺬﺭ ﺑﺨﻄﺮ كبير ﻋﻠﻰ صحة ﺍﻟﻄﻔﻞ، ﻭيهدد ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ بانتشار الجهل والأمية، دون أن ننسى ﺍﻵﺛﺎﺭ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﻌﻤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلأطفال ﻛﺎﻟﺘﺪﺧﻴﻦ، ﻭإمكانية ﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻑ ﺍﻷﺧﻼقي .